. الصحابة المكثرون برواية الحديث
اشتهر برواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة من الصحابة ،
منهم :
أ-
أبو هريرة
كان
اسمه في الجاهلية عبد شمس بن صخر ، ولما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن ، وهو من قبيلة
دَوس من إحدى قبائل اليمن المعروفة. وكان يرعى الغنم ومعه هرة يعطف عليها ويضعها
في الليل في الشجر ويصحبها في النهار فكناه القوم أبا هريرة. أسلم رضي الله عنه في
السنة السابعة من الهجرة " عام خيبر " وكان عمره حينذاك نحوا من
الثلاثين سنة وقدم المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع من خيبر ، وسكن صُفة
مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصبح عريف أهل الصفة ، أهلِ العلم والعبادة ،
أضياف الإسلام ، وعباد الله المتمتعين برضوانه تعالى.
حفظه وحرصه على الأحاديث
ولقد
حبّب الله لأبي هريرة صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظ أحاديثه ، فكان أكثر
الصحابة رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وحفظ للمسلمين ثروة طائلة من السنة النبوية ، وقد اختاره الله لهذه المهمّة
الجليلة, فوهبه ذاكرة قوية محققا دعوةَ خير البرية.
وروى
الشيخان أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : إنكم تقولون إن أبا هريرة يُكثر الحديث
عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكنت امرأ مسكينا صحبتُ النبي صلى الله عليه وسلم
على بطني ، وكان المهاجرون تشغلهم التجارة في الأسواق ، وكانت الأنصار يشغلهم
القيام على أموالهم, فحضرت من النبي صلى الله عليه وسلم مجلسا ، فقال : " من
بسط رداءه حتى أقضِيَ مقالتي ، ثم يقبضَه إليه فلن ينسى شيئا سمعه منّي "
فبسطت ردائي حتى قضى حديثه ، ثم قبضتها إليّ ، فوالذي نفسي بيده ، لم أنس شيئا
سمعته منه صلى الله عليه وسلم ، ولذا كان مرجع صحابة رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
أما
عن كرم أبي هريرة رضي الله عنه فقد نقل عن أبي نضرة عن رجل قال : نزلتُ على أبي
هريرة ولم أُدركْ من الصحابة رجلا أشد تشميرا ولا أقوم على ضيف منه.
وطال
عمر أبي هريرة ، عاش بعد الرسول صلى الله عليه وسلم سبعة وأربعين عاما ينشر حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الناس ، فكان مرجع المسلمين في رواية الحديث، حتى إن عبد الله بن عمر كان
يترحّم عليه ، في جنازته ، ويقول : كان يحفظ على المسلمين حديث رسول الله صلى الله
عليه وسلم.
وقد
روى عن أبي هريرة نحوٌ من ثمانمائة رجل من أهل العلم من الصحابة والتابعين وغيرهم
، وروى عنه أصحاب الكتب الستة ، والإمام مالك في " موطئه " والإمام أحمد
بن حنبل في " مسنده " وقد جمع أبو إسحاق إبراهيم بن حرب العسكري المتوفي
سنة 282 هـ " مسند أبي هريرة "
ووجد نسخة منه في خزانة كوبِرلس بتركيا : كما ذكر صاحب " تاريخ الأدب العربي
"
وفاته
: توفي بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة عن ثمانين وسبعين عاما ، قضاها في خدمة
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعدة ما رواه : ( 5374 ) حديثا.
ب- عبد الله بن عمر
هو
عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل العدويّ ، وأمه زينب بنت مظعون بن حُبيب
الجُمحيّ ،أخت عثمان بن مظعون. ولد سنة (
10 قبل الهجرة) وتوفي سنة ( 73 هجرية )
علمه :
كان
من النجباء الفاهمين اغترف من فيوض النبوة واستفاد من صاحب الرسالة. وحضر كثيرا من
المجالس النبوية الشريفة ، وفي أحد المجالس ، قال النبي صلى الله عليه وسلم
لأصحابه : " إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهي مثل المسلم ، حدّثوني ما هي
؟ فوقع الناس في شجر البادية ووقع في نفسي أنها النخلة ، قال عبد الله : فاستحييت
، فقالوا : يا رسول الله أخبرنا بها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هي النخلة " قال عبد الله : فحدثت
أبي بما وقع في نفسي ، فقال : لأن تكون قلتَها أحبَّ إليّ من أن يكون لي كذا وكذا
. تشجيعا له. وكان كثير المسألة ، دقيق العلم ، خالص الورع ، محافظا على السنة.
ابن عمر راويا وفقيها
كان
متشددا في الرواية ، حريصا على أداء ما سمع كما سمع بلا زيادة ولا نقص.
فعن
أبي جعفر رحمه الله قال : لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا أحذر أن لا يزيد فيه ولا ينقص من ابن عمر.
وعن
مالك : قال لي ابن شهاب : لا تعدلنّ رأي ابن عمر فإنه أقام بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم ستين سنة فلم يخْفَ عليه شيئ
من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من أمر أصحابه.
والناظر
في كتب السنة يجدها مشحونة برواياته وآرائه وفتاواه ومواقفه المحمودة، حتى إنه كان
كثيرا ما يقول : لا أدري ، إذا سئل خوفا
من أن يقول في الدين بالرأي او تجرّه الأسئلة إلى القول بغير علم.
آثاره وروايته :
روى
عن النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر وعن أبي بكر ، وعمرَ، وعثمان، وأبي ذر، ومعاذ بن
جبل، ورافع بن خديج، وأبي هريرة، وعائشة رضي الله عنهم.
وروى
عنه ابنُ عباس وجابر، والأغر المُزَني من الصحابة ، ومن التابعين بنوه : سالم،
وعبد الله، وحمزة ، وبلال، ومولاه نافع، وخلق كثير.
فقد
روي عنه الفا حديث وستمائة وثلاثون (2630) حديثا ، أخرج له الشيخان (280) حديثا،
اتفقا على (168) حديثا منها، وانفرد البخاري بـ (81) حديثا ومسلم بـ (31) حديثا،
وأحاديثه في الكتب الستة والمسانيد وسائر السنن.
ومن أصح الأسانيد إليه على الإطلاق- مالك عن نافع عن ابن عمر وقيل :
الزهري عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر
توفي
في مكة سنة (73 هـ) بعد مقتل عبد الله بن الزبير بثلاثة أشهر، وقيل سنة (74هـ)
وعمره أربعة وثمانون عاما.
ج- أنس بن مالك
هو
أنس بن مالك بن النضر بن ضَمضَم بن زيد بن حَرام بن جُندب بن عامر بن غنم بن عديّ
بن النجار المدني نزيلُ البصرة. وأمه أم سُليم بنت مِلحان ، وكنيته أبو حمزة ،
ويقال : أبو ثُمامة الأنصاري.
قدم
النبيَّ صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن عشر سنين ، فخدمه عشر سنين بعد أن
قدّمته أمه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليخدمه ، فكان نعم الخادم ارتفع بخدمته
إلى أعلى مراتب السيادة والفخار.
حفظ
عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير وانتفع بتوجيهاته وأثَّّرت فيه
شيمُ النبي صلى الله عليه وسلم الكريمةُ ، ومعاملةُ النبي صلى الله عليه
وسلم المثاليّةُ. خدَم النبيَّ صلى الله عليه وسلم حتى مات . فما قال له : افّ ولا
قال له : لم فعلت كذا ؟ وهلا فعلت كذا ؟
روى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أبي
بكر، وعمر ، وعثمان، وعبد الله بن مسعود، وعن فاطمة الزهراء وعن غيرهم من صحابة
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى
عنه الحسن، وسليمان التيمي، وأبو قلابة، وأبو مجاز بن صهيب، وابن شهاب الزهري،
وسعيد بن جبير وخلق كثير غيرهم.
ومات
أنس رضي الله عنه بعد حياة حافلة بالجهاد والعلم والعمل ، وكانت عنده عِصابة لرسول
الله صلى الله عليه وسلم فدُفنت معه بين جنبيه وقميصه، ولما أدركه الموت جعل يقول
: لقِّنوا لا إله إلا الله ، فلم يزل يقولها حتى قُبض رضي الله عنه.
وكان
آخر الصحابة موتا بالبصرة ، مات سنة ثلاث وتسعين(93) وهو ابن مائة وثلاث سنين على
الأرجح.
وأصحّ
أسانيده ما رواه مالك عن الزهري عنه ، وقيل : حمّاد بن زيد عن ثابت البُناني عنه ،
وقيل : هشام الدَستوائي عن قتادة عنه. وأوهى الأسانيد عليه : داود بن المُحبَّر بن
قَحذَم عن أبيه عن أبان بن أبي عيّاش عنه. وعدد
أحاديثه ألفا حديث ومائتا حديث وستة وثمانون حديثا ( 2286 ) .
د- السيدة عائشة
هي
عائشة بنت أبي بكر الصديق " عبد الله " بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب
بن سعد بن تَيم بن مُرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب ، وأمها أمّ رُومان بنت عامر بن
عُوَيْمر الكِنانية وكنيتها أم عبد الله. ولدت بعد البعثة بأربع سنين أو خمس. (9
قبل الهجرة)
كانت
ذكية فطنة طلابة للعلم ، يسرّ لها زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم
واختلاطها به معرفة كثير من أحكام الإسلام. ولها الفضل الكبير في نقل كثير مما
يتعلق بأمور النساء ، لذلك كانت أكثر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية عنه
، وتُعدّ من أفقه الصحابة ، وقد شهد بعلمها وفقهها الصحابة والتابعون ، كما كان
لها علم الطبّ . فلا غربة أن ترى الصحابة والتابعين يلتفون حولها يتفقهون بها ،
ويرجعون إليها في أمورهم.
روت
عائشة رضي الله عنها عن الرسول الكريم الكثير الطيب، وروت عن أبيها ، وعن عمر ،
وفاطمة ، وسعد بن أبي وقاص ، وأسيد بن حضير، وجذامة بنت وهب، وحمزة بن عمرو.
وروى
عنها من الصحابة عمر ، وابنه عبد الله ، وأبو هريرة ، وأبو موسى ، وزيد بن خالد ،
وابن عباس وغيرهم.
وروت
عنها من كبار التابعين القاسم وعبد الله ابنا محمد بن أبي بكر ، وعروة الزبير ، وغير هؤلاء خلق كثير.
روي
لها ( 2210 ) ألفان ومئاتان وعشرة أحاديث ، لها في الصحيحين (316 ) حديثا ، اتفق
الشيخان على (194) حديثا منها ، وانفرد البخاري
بـ ( 54) حديثا ، ومسلم بـ (68) حديثا ، وأحاديثها في الكتب الستة وسائر
كتب السنن.
توفيت
سنة ثمان وخمسين ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان عند أكثرهم ، وقال بعضهم
سنة سبع وخمسين.
2. أئمة كتب الحديث الستة
أ- الإمام البخاري
هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن
المغيرة بن بردزبة الجعفي ولاء البخاري مولدا ، ولد يوم الجمعة الثالث عشر من شهر
شوال سنة (194 هـ ) في مدينة بخارى ، وطلب العلم صغيرا سنة (205 هـ ) ، وقد حفظ
تصانيف بعض الأئمة وهو صغير ، وسمع من شيوخ بلده ثم رحل مع أمه وأخيه إلى الحجاز
حاجا سنة (210 هـ ) وأقام في المدينة المنورة ، فألف كتابه ( التاريخ الكبير ) وهو
مجاور قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
رحل البخاري إلى شيوخ الحديث وأئمته في مختلف
البلاد وسمع كثيرا وكتب عن أكثر من ألف شيخ، وقد ساعده صبره وذكاؤه وحبه للعلم على
بلوغ مرتبة عالية في عصره حتى أصبح إمام المسلمين في الحديث ، ولقّبه الأئمة بأمير
المؤمنين في الحديث.
كان يحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث
غير صحيح, وكان واسع المعرفة غزير العلم ، أحد أعلام الدنيا في معرفة الصحيح من
السقيم ، ومعرفة أحوال الرجال وعلل الأخبار ، وكل ما يتعلق بالحديث وعلومه. وقد شهد له الأئمة بعلوّ منـزلته وعظيم
قدره وأخباره مع شيوخه وأهل بلده وإتقانه كثيرة جدا لا يتسع المقام لذكر بعضها.
وكان لا يسمع بشيخ في الحديث إلا رحل إليه
واختبره وسأل عنه وأخذ منه، وكان آية في الحفظ وقوة التذكرة والبصر بعلل الأسانيد
ومتونها, وقصته في بغداد حين امتحن علماؤها
مشهورة تدل على مبلغ حفظه وإمامته
في هذا الفنّ. وكان قد سمع مرة شيخه إسحاق بن راهويه يقول لتلاميذه : (( لو جمعتم
كتابا مختصرا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ )) قال البخاري : (( فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع
الصحيح )) وقد أمضى في جمعه وتمحيصه وتأليفه ستة عشر عاما، وما وضع فيه حديث إلا
بعد أن يغتسل ويصلى ركعتين، ثم يستخير الله في وضعه، لم يخرج فيه إلا ما صح عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسند المتصل الذي توفر في رجاله العدالة والضبط
واللقي، ولم يكن يكتفي بإمكان معاصرة التلميذ للشيخ، بل لا بد من ثبوت سماعه منه
ولقاءه له.
وبهذا كان أول كتاب في السنة على هذه الشروط
الدقيقة تجرد من الأحاديث الضعيفة والحسنة، واقتصر على الأحاديث الصحيحة فقط، وقد
بوّبه البخاري على أبواب العلم والفقه إلا أنه دقيق النظر جدا بعيد الغور في
الاستنباط.
لقد كان الإمام البخاري أحد أعلام الدنيا في
الحفظ والإتقان، وقد أجمعت جميع المصادر التي ترجمت له على ذكر هذا الخبر، ولهذا
لا نعجب حين يذكر الخطيب البغدادي أن مجلس البخاري كان يضم في بغداد نيفا وعشرة
آلاف إنسان.
وللبخارى مصنفات كثيرة منها
:
1). الجامع الصحيح المعروف بصحيح
البخارى , ويعتبر أول كتاب صنف فى الحديث الصحيح فقط , وقد جمع فيه البخارى ( 9082
) حديثا – بما فيه من مكرر – اختارها من ستمائة ألف حديث , فبذل جهدا كبيرا ووقتا
طويلا خلال ست عشرة سنة , ولم يضع فيه حديثا إلا وصلى ركعتين , وقال رحمه الله : (
جعلته حجة بينى وبين الله سبحانه)
2). التواريخ الثلاثة ( الكبير والأوسط
والأصغر)
2). كتاب الكنى
3). كتاب الوحدان
4). كتاب الأدب المفرد
5) كتاب الضعفاء , وغيرها
خرج البخاري في آخر
حياته إلى قرية (خرتنك) وهو على فرسخين من (سمرقند) فتوفي بها في (30) رمضان سنة
(256هـ) رحمه الله.
ب- الإمام مسلم
هو حجة الإسلام أبو الحسين مسلم بن الحجاج
القشيري النيسابوري ، ولد سنة (204 هـ ) وقيل (206 هـ ) ، وطلب العلم صغيرا سنة
(218 هـ ) فسمع شيوخ بلده ، ثم رحل في طلب العلم فدخل بغداد مرارا ولقي كثيرا من
أئمة الحديث وحفاظه أثناء رحلاته إلى الحجاز ، والعراق ، والشام ، ومصر وغيرها ،
وتردد على البخاري كثيرا عند ما قدم الإمام البخاري نيسابور ، وعرف فضله وسعة علمه
، وروى عن الإمام أحمد بن حنبل ، وعن شيخ البخاري إسحاق بن راهويه وعن كثير
وغيرهما.
وروى عن الإمام مسلم كثير من أهل العلم ، منهم
الإمام الترمذي ، وابن خزيمة ، وعبد الرحمن بن أبي حاتم. بلغ الإمام مسلم منـزلة
رفيعة في العلم وكان بعض الأئمة يقدمه في معرفة الصحيح على مشايخ ذلك العصر, وقد
أثنى عليه معاصروه وجمهور أهل العلم من بعده.
توفي الإمام مسلم رحمه الله في (25 رجب من سنة
261 هـ) في (نصر أباد) إحدى قرية نيسابور. وترك نيفا وعشرين مصنَّفا في الحديث
وعلومه، تدل على رسوخه في هذا العلم، كما تدل على فهمه وسعة اطلاعه.
واشهر مصنفاته كتاب " صحيح مسلم "
صنفه من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة، واستغرق في تهذيبه وتنقيحه خمس عشرة سنة، قال
الإمام مسلم: ( ما وضعت شيئا في كتابي هذا إلا بحجة، وما أسقطت منه شيئا إلا بحجة)
وقال : ليس كل شيئ عندي صحيح وضعته ههنا، إنما وضعت ما أجمعوا عليه. يريد ما وجد
عنده فيها شرائط الصحيح المجمع عليه.
وقد استفاد من خبرة علماء عصره، فعرض كتابه على
أبي زرعة الرازي، فكل ما أشار أن له علةً تركه، وكل ما قال إنه صحيح وليس له علة
خرجه في كتابه.
وعدة أحاديث صحيح مسلم دون المكررات (3030)
حديثا ويبلغ مجموع ما فيه من طرق الأحاديث المختلفة نحو عشرة آلاف حديث.
والمصنفات
الأخرى لمسلم منها :
1- كتاب العلل
2- كتاب أوهام المحدثين
3- كتاب من ليس له إلا راو واحد
4- كتاب طبقات التابعين
5- كتاب المخضرمين
6- كتاب المسند الكبير على أسماء الرجال
7- كتاب الجامع الكبير على الأبواب
من خصائص صحيح مسلم
1.
ليس له فيه بعد الخطبة إلا الحديث الوارد، ولم
يتصد لما تصدى له البخاري من استنباط الأحكام وتقطيع الأحاديث وترجمة الأبواب.
2.
اعتنائه بضبط لفظ الرواةكقوله حدثنا فلان وفلان
واللفظ لفلان.
3.
تحريه في مثل قوله : حدثنا عبد الله بن سلمة،
حدثنا سليان-يعني ابن بلال-، عن يحيى – وهو ابن سعيد.
4.
حسن ترتيبه وترصيفه الأحاديث على نسَق يقتضيه
تحقيقه، وكمال معرفته بمواقع الخطاب
ودقائق العلم وأصول القواعد، وخفيات علم الأسانيد، ومراتب الرواة وغير ذلك.
ج- الإمام أبو داود
هو الإمام الثبت سيد الحفاظ سليمان بن الأشعث
بن إسحاق الأزدي السجستاني صاحب كتاب السنن المشهور، ولد سنة (202 هـ) وطلب العلم
صغيرا ، ثم رحل إلى الحجاز والشام ومصر ، والعراق، والجزيرة وخرسان، ولقي كثيرا من
أئمة الحديث ، فسمع من أبي عمرو الضرير ، ومن القعنبي ، وأبي الوليد الطيالسي ،
والإمام أحمد وغيرهم.
كان أبو داود من العلماء العاملين ، وشبهه
بعضهم بالإمام أحمد ، كان على درجة رفيعة من العبادة والعلم والورع.
دخل أبو داود بغداد مرارا ، وآخر مرة دخلها سنة
(272 هـ)، ودعاه أمير البصرة أخو الخليفة الموفق أن يقيم بالبصرة بعد فتنة الزنج ،
لتعتمر من العلم بسببه حين يأتيه طلاب الحديث من كل حدب وصوب ، وتوفي فيها في (16)
شوال من سنة (257هـ) رحمه الله ، ودفن إلى جانب قبر سفيان الثوري.
ترك أبو
داود مصنفات كثيرة في الحديث خاصة ، وفي بعض علوم الشريعة بوجه عام، وتبلغ
مؤلفاته اثني عشر مصنفا أشهرها كتاب السنن المسمى بسنن أبي داود. صنف أبو داود
سننه على أبواب الفقه واقتصر فيها على السنن والأحكام ، فلم يذكر في كتابه القصص
والمواعظ والأخبار والزهد وفضائل الأعمال. وكان أبو داود قد كتب خمسمائة ألف حديث
، انتخب منها أربعة آلاف وثمانمائة حديث ضمنها كتابه ، وعدة ما فيه بالمكرر (5274)
حديثا.
وقد بيّن أبو داود منهجه في كتابه فقال : (
ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه ، وما كان فيه وهن شديد بينته ) وقال أيضا : ( وليس
في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيئ ، وإذا كان فيه حديث منكر بينت
أنه منكر ، وليس على نحوه في الباب غيره).
وعلى هذا فقد أخرج أبو داود في كتابه الصحيح
وما دونه ، وبين ما فيه وهن شديد ، وقد أقبل الناس على سننه واستفادوا منها ،
وأثنوا عليها, قال ابن الاعرابي : ( لو أن رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف
الذي فيه كتاب الله ثم هذا الكتاب لم يحتج معهما إلى شيئ من العلم البتة ) وأثنى
عليه كثير من أهل العلم ، لهذا احتل كتاب السنن لأبي داود المكان الأول بعد
الصحيحين.
هذا وقد شرح سننه كثير من أهل العلم، منهم
الخطابي ( - 388 هـ) وقطب الدين اليمني الشافعي ( - 753 هـ ) وشهاب الدين
الرملي ( - 844 هـ ) واختصرها الحافظ
المنذري ( – 656 هـ ) وهذب المختصر ابن القيم ( - 751 هـ )، وقد شرحه شرف الحق
العظيم آبادي وسماه ((عون المعبود))، ومن المعاصرين الشيخ محمود خطاب السبكي في
شرح مستفيض.
د- الإمام الترمذي
هو الإمام الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن
سورة الترمذي ، ولد بعد سنة مائتين في قرية ( بوج ) من قرى ترمذ على نهر جيحون،
وطلب العلم صغيرا ، ورحل في سبيل ذلك إلى العراق والحجاز وخراسان وغيرها, ولقي
كبار أئمة الحديث وشيوخه ، وسمع منهم، وروى عنهم، ومن أشهرهم الإمام البخاري ، وبه
تخرج وأخذ فقه الحديث عنه ، ومسلم ، وأبو
داود ، وسمع من بعض شيوخ هؤلاء مثل قتيبة بن سعيد، ومحمد بن بشار وغيرهما، وروى
عنه كثير من أهل العلم.
كان الترمذي من أئمة الحفاظ الذين اشتهروا
بالضبط والإتقان ، وقد شهد له معاصره بسرعة حفظه ، وكان على جانب عظيم من الزهد
والورع، بكى حتى ابيضت عيناه. وبقي ضريرا سنين آخر عمره.
توفي رحمه الله بترمذ ليلة الاثنين (13) رجب
سنة (279 هـ ) وله سبعون عاما.
ترك الترمذي مؤلفات عدة في الحديث وغيره. ومن
أشهر مصنفاته في الحديث كتابه ( الجامع ) المشهور سنن الترمذي. وهو من أحسن الكتب
وأكثرها فائدة ، وأقلها تكرارا ، وقد اشتهر هذا الكتاب بسنن الترمذي ، كما عرف
باسم ( جامع الترمذي ) وتساهل بعضهم فأطلق عليه اسم (الجامع الصحيح)
أخرج الترمذي في كتابه الصحيح والحسن والضعيف
والغريب والمعلل وكشف عن علته، كما ذكر المنكر وبين وجه النكارة فيه ، ولم يخرج عن
متهم بالكذب متفق على اتهامه – حديثا بإسناد منفرد ، وهو في كل هذا يبين درجة ما
يخرجه ، فليس في صنيعه ما يوهن كتابه ، وقد جمع الترمذي الفقه إلى جانب علمه
بالحديث وعلله ورجاله وعلومه ، وكل هذا
واضح في سننه.
قال الترمذي : صنفت هذا الكتاب ، فعرضته على
علماء الحجاز والعراق ، وخراسان ، فرضوا به ، ومن كان في بيته فكأنما في بيته نبي يتكلم.
وفي جامع الترمذي مثال جيد للتطبيق العملي الذي
كان يقوم به المحدثون من أجل معرفة الصحيح ، والحسن والضعيف والكشف عن علل
الأحاديث ، واستنباط الأحكام حينا ، ومعرفة الثقات من المتروكين أحيانا, وغير ذلك وبهذا جمع هذا الكتاب فوائد
كثيرة ، قد لايوجد معظمها في الكتب الأخرى التي استغنت عن أكثر ذلك بالتزامها
تخريج الصحيح فقط. وإلى جانب ما ذكرت ، فقد حفظ لنا هذا الكتاب كثيرا من اصطلاحات
المحدثين في أحكامهم على الرواة والمرويات, مما يزيدنا ثقة بقدم هذه المصطلحات
ورسو قواعد علوم الحديث قبل عصره ، كما أن الترمذي جمع بين المصطلحات جمعا لم يسبق
إليه في قوله ( صحيح حسن ) و ( صحيح غريب )
وغير هذا.
ترك الترمذى مؤلفات أخرى فى الحديث وغيره منها :
1- كتاب العلل
2- كتاب الشمائل
3- كتاب أسماء الصحابة
4- كتاب الأسماء والكنى
ه- الإمام النسائي
هو الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن
أحمد بن شعيب بن علي الخراساني النسائي. ولد سنة ( 215 هـ ) وطلب العلم صغيرا ،
ورحل في طلب الحديث وله خمس عشرة سنة ، وسمع كبار علماء عصره في بلده وفي الحجاز ،
والعراق ، ومصر والشام والجزية ، ثم استوطن مصر ، وبرع في هذا الشأن ، وتفرد
بالمعرفة والاتقان ، وعلو السند ، فحدث عنه كثيرون. وإلى جانب علمه بالحديث وعلومه ، كان فقيها
شافعي المذهب.
والراجح في وفاته أنه خرج من مصر في شهر ذي
القعدة سنة (302 هـ) وتوفي بفلسطين بالرملة يوم الاثنين ( 13 ) صفر سنة ( 303 هـ )
ودفن في بيت المقدس رحمه الله.
صنف النسائي نحو خمس عشرة مؤلفا جلها في الحديث
وعلومه، وأشهرها كتابه السنن. صنف النسائي سننه ولم يخرج فيها عن راو أجمع النقاد
على تركه ، فهي لهذا تضم الصحيح والحسن والضعيف ، سمى كتابه هذا ( السنن الكبرى) ،
وقد قدمه إلى أمير الرملة ، فقال له : أكلّ ما فيها صحيح ؟ فقال : فيها الصحيح
والحسن وما يقاربهما ، فقال له : فاكتب لنا الصحيح منه مجردا ، فاستخلص من السنن
الكبرى " السنن الصغرى " وسماها (المجتبى من السنن) وقيل (المجتنى) ،
والمعنى واحد.والسنن الصغرى أقل السنن حديثا ضعيفا.
وعدة أحاديث المجتبى (5761 ) خمسة آلاف
وسبعمائة وواحد وستون حديثا. وبالجملة فكتاب السنن للنسائي أقل الكتب بعد الصحيحين
حديثا ضعيفا ، ورجلا مجروحا. وهو برتبة سنن أبي داود أو قريب منها ، لما عرف عن
النسائي من شدة التحري ، واستقامة منهجه في كتابه ، غير أن أبا داود أكثر اعتناء
بزيادة المتون وألفاظ الحديث التي يعتني بها محدثو الفقهاء، ولهذا كان كتاب
النسائي ثاني السنن الأربعة.
و- الإمام ابن ماجه القزويني (209 -273 هـ )
هو الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ابن ماجه ) ، وماجه لقب أبيه،
ولد سنة ( 209 هـ ) في قزوين ، وطلب العلم في مطلع شبابه ، ورحل إلى العراق ،
والحجاز ، ومصر ، والشام وغيرها من البلاد ، ولقي كثيرا من شيوخها ، فسمع من أئمة
عصره أمثال محمد بن عبد الله بن نمير وطبقته ، وروى عنه خلق كثير. قال الخليلي :
(ابن ماجه ثقة كبير ، متفق عليه ، محتج به ، له معرفة وحفظ).
كان ابن ماجه على درجة رفيعة من العلم ، فكان
محدث قزوين في عصره وشيخها في التفسير. توفي في ( 22 ) رمضان سنة ( 273 هـ ) رحمه
الله.
صنف ابن ماجه في التفسير ، والحديث , والتاريخ
، وأشهر كتبه كتاب السنن ، وقد صنفه على أبواب الفقه كما هو الشأن في صحيحي
البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي ، ولم يلتزم فيه إخراج الصحيح فقط ، فجمع
كتابه بين الصحيح والحسن والضعيف والواهي. لهذا لم يدخل كثير من العلماء كتابه في
الكتب الستة قبل القرن السادس.
وأول من ضم سنن ابن ماجه إلى الكتب الخمسة –
أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي (448 -507 هـ ) في كتابه أطراف الكتب الستة ،
وبهذا أصبحت كتب الحديث المعتمدة ستة. وتابعه على ذلك أهل العلم من بعده.
وكان العلماء قبل ذلك ، وبعضهم بعد ذلك – يعدون
الأصل السادس كتاب الموطأ للإمام مالك ، لأنه أصح من سنن ابن ماجه.وإنما قدم
العلماء سنن ابن ماجه على الموطأ – مع أنه أصح منها –لما في السنن من زوائد على
الكتب الخمسة ، بخلاف الموطأ ، فجل ما فيه موجود في الكتب الخمسة إلا القليل منه ،
بل لكثرة الزيادات التي فيه. فكانت جملة أحاديث هذا الكتاب ( 4341 ) حديث ، منها (
3002 ) ثلاث آلاف حديث وحديثان أخرجها أصحاب الكتب الخمسة كلهم أو بعضهم ، وباقي
الأحاديث وعددها ( 1339 ) حديثا هي الزوائد على ما جاء في الكتب الخمسة.
Post a Comment